فصل: ثم دخلت سنة ثمان عشرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثمان عشرة

فمن الحوادث فيها طاعون عمواس تفانى فيه الناس ومات فيه خمسة وعشرون ألفًا‏.‏

قال سيف‏:‏ إنما كان في سنة سبع عشرة‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا ابن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ حدَّثنا عبد اللهّ بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن شهر بن حوشب الأشعري عن رابة رجل من قومه وكان قد خلف على أمه بعد أبيه كان شهد طاعون عمواس - قال‏:‏ لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيبًا فقال‏:‏ أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل اللّه أن يقسم له منه حظه قال‏:‏ فطعن فمات واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبًا بعده فقال‏:‏ أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن معاذًا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه قال‏:‏ فطعن ابنه عبد الرحمن فمات ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول‏:‏ ما أحب أن لي بما فيك شيئًا من الدنيا‏.‏

فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص فقام فينا خطيبًا فقال‏:‏ أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه في الجبال فقال له وائلة الهذلي‏:‏ كذبت واللّه لقد صحبت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنت شر من حماري هذا قال‏:‏ والله ما أرد عليك ما تقول وأيم اللّه لا نقيم عليه‏.‏

ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ورفعه اللّه عنهم فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو فواللّه ما كرهه‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا محمد بن علي بن الفتح أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن أخي سمي حدًثنا جعفر بن محمد بن نصير حدَّثنا أحمد بن محمد بن مسروق حدَّثنا الزبير بن بكار وحدَّثنا يحيى بن المقداد عن عمه موسى بن يعقوب عن عمه يزيد بن عبد اللّه قال‏:‏ علق عمرو بن العاص بعمود خبائه سبعين سيفًا كلها ورثه عن كلالة عام طاعون عمواس ولم يكن أحد يقول لأحد‏:‏ كيف أصبحت ولا كيف أمسيت حين كثر فيهم الموت‏.‏

وقد ذكر الواقدي أن الرقة والرها وحران فتحت في هذه السنة على يدي عياض بن غنم وأن عين وردة فتحت على يدي عمير بن سعد وقد ذكرنا الخلاف في هذا فيما تقدم‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ حدَّثنا أبو محمد بن عبد العزيز بن أحمد الكناني حدَّثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بن علي بن جعفر الميداني حدَّثنا أبو حفص محمد بن علي العتكي قال‏:‏ حدَّثني محمد بن الوراق حدَّثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان قال‏:‏ حدَّثني على بن أبي عبد اللّه عن الهيثم بن عدي قال‏:‏ افتتح غار بجبل لبنان فإذا فيه رجل مسجى على سرير من ذهب وإلى جانبه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية‏:‏ أنا سابا بن بوناس بن سابا خدمت عيص بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرب الأكبر وعشت بعده دهرًا طويلًا ورأيت عجبًا كثيرًا فلم أر أعجب من غافل عن الموت وقد عاين مصارع آبائه ووقف على قبور أحبائه وعلم أنه صائر إلى الموت لا محالة والذي بعد الموت من حساب الديان أعظم ورد حق المظلومين أعظم من الموت حقَاَ حفرت قبري هذا قبل أن أصل إليه بمائة وخمسين عامًا ووضعت سريري هذا فيه أغدو وأروح وقد علمت أن الحفاة الأجلاف الجاهلية يخرجوني من غاري هذا وينزلوني عن سريري وهم يومئذ مقرون بربوبية الديان الأعظم وعند ذلك يتغير الزمان ويتأمر الصبيان ويكثر الحدثان ويظهر البهتان فمن أثرك ذلك الزمان عاش قليلًا ومات ذليلًا وبكى كثيرًا ولا بد مما هو كائن أن يكون والعاقبة للمتقين وقد رأيت الثلج والبرد في تموز مرارًا فإن رأيتم ذلك فلا تعجبوا‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة

 ذكر الرمادة

أن نفرًا من المسلمين أصابوا الشراب فكتب أبو عبيدة إلى عمر كتابًا وذكر فيه‏:‏ إنا سألناهم فتأولوا وقالوا‏:‏ خيرنا فاخترنا قال‏:‏ ‏{‏فهل أنتم منتهون‏}‏ المائدة 91‏.‏

فكتب إليه عمر رضي اللّه عنه إن المراد فانتهوا‏.‏

فادعهم فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين جلدة فسألهم فقالوا‏:‏ حرام فجلدهم ثمانين ثمانين فندموا على لجاجتهم وقال‏:‏ ليحدثن فيكم يا أهل الشام حادث فحدثت الرمادة في هذه السنة‏.‏

وذلك أن الناس أصابهم جدب وقحط وجوع شديد حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس وكانت الريح تسفي ترابًا كالرماد فسمي ذلك العام عام الرمادة وكان الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها وإنه لمعسر‏.‏

فآلى عمر ألا يذوق سمنأ ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيى الناس وإن غلامًا لعمر اشترى عكة من سمن ورطبًا من لبن بأربعين ثم أتى بهما عمر فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ تصدق بهما فإني أكره أن آكل إسرافأ كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم‏.‏

ومن الحوادث

 أن عمر رضي الله عنه استسقى للناس

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص حدَثنا أحمد بن عبد اللّه حدَثنا السري بن يحيى حدًثنا سيف عن سهل بن يوسف عن عبد الرحمن بن كعب قال‏:‏ أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر رضي اللّه عنه فقال‏:‏ أنا رسول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إليك يقول لك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لقد عهدتك كيسًا وما زلت على رِجْل فما شأنك فقال‏:‏ متى رأيت هذا فقال‏:‏ البارحة فخرج فنادى في الناس‏:‏ الصلاة جامعة فصلى بهم ركعتين ثم قام فقال‏:‏ أيها الناس أنشدكم باللهّ هل تعلمون مني أمرًا غيره خيرٌ منه قالوا‏:‏ اللهم لا قال‏:‏ فإن بلال بن الحارث يزعم ذَيّة وذَيّة فقالوا‏:‏ صدق بلال فاستغثت الله تعالى والمسلمون فقال عمر‏:‏ اللّه أكبر بلغ البلاء مدته فانكشف ما أذن اللّه لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم البلاء فكتب إلى أمراء الأمصار‏:‏ أن أغيثوا أهل المدينة ومن حولها وأخرج الناس إلى الاستسقاء خرج وخرج معه بالعباس ماشيًا فخطب فأوجز ثم صلى ثم جثا لركبتيه وقال‏:‏ اللهم إياك نعبد وإياك نستعين اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنّا‏.‏

وحدَّثنا سيف عن محمد بن عبيد الله قال‏:‏ خرج عمر رضي اللّه عنه بالناس إلى الاستسقاء وخرج بالعباس وبعبد اللهّ فخطب وصلى بالناس ركعتين فلما قضى صلاته تأخر حتى كان بين العباس وعبد اللّه ثم أخذ بعضديهما وقال‏:‏ اللهم هذا عم نبيك نتقرب إليك به فما بلغوا بيوتهم حتى خاضوا الماء وإنه لبين العباس وعبد اللّه‏.‏

وحدَّثنا سيف عن ابن شبرمة ومجالد عن الشعبي قال‏:‏ صعد عمر رضي اللّه عنه المنبر سنة الاستسقاء بعدما صلى ركعتين تطوعًا بالناس وقال‏:‏ استغفروا ربكم إنه كان غفارًا استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ثم نزل ولم يذكر‏:‏ اسقنا فقالوا‏:‏ لم لم تستسق يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ لقد دعوت بمخارج السماء التي نسقى بها المطر الاستغفار‏.‏

ومن الحوادث أن عمر رضي اللّه عنه كتب في عام الرمادة إلى أمراء الأمصار يستمدهم خبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص حدَّثنا أحمد بن عبد الله حدَّثنا السري بن يحيى حدَّثنا شعيب حدَثنا سيف عن أشياخه قالوا‏:‏ كتب عمر إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها ويستمدهم فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بن الجراح في أربعة آلاف راحلة من طعام فولاه قسمتها فيمن حول المدينة فلما فرغ ورجع إلى المدينة أمر له بأربعة آلاف درهم فقال‏:‏ لا حاجة لي فيها يا أمير المؤمنين إنما أردت اللّه وما قبله فلا تدخل عليَ الدنيا فقال‏:‏ خذها فلا بأس بذلك إذا لم تطلبه فأبى فقال‏:‏ خذها فإني وقد وليت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم مثل هذا فقال لي مثل ما قلت لك فقلت له كما قلت لي فأعطاني‏.‏

فقبل أبو عبيدة وانصرف إلى عمله وتتابع الناس واستغنى أهل الحجاز وأحيوا مع أول الحيا‏.‏

وجاء كتاب عمرو بن العاص إلى عمر‏:‏ إن البحر الشامي حفر لمبعث رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم حفيرًا فصب في بحر العرب فسده الروم والقبط فإن أحببت أن يقوم سعر الطعام بالمدينة كسعر مصر حفرت لهم نهرًا وبنيت لهم قناطر فكتب له عمر‏:‏ أن افعل وعجل ذلك فقال له أهل مصر‏:‏ خراجك زاج وأمرك راض وإن تم هذا انكسر الخراج فكتب إلى عمر بذلك فذكر أن فيه انكسار خراج مصر وخرابها‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ اعمل فيه وعجل أخرب اللّه خراج مصر في عمران المدينة وصلاحها فعالجه عمرو وهو القلزم وكان سعر المدينة كسعر مصر ولم يزد مصر ذلك إلا رخاء‏.‏

وكان عمر إذا بلغه عن ناحية من نواحي المسلمين غلاء حط نفسه على قدر ما يبلغه ويقول‏:‏ كيف يكونون مني على بال إذا لمِ يمسسني ما مسهم وإنه غلظ على نفسه وأقبل على خبز الشعير فقرقر في بطنه يوماَ فقال‏:‏ هو ما ترى حتى يحيى أهل مدينة كذا‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة

 فتح جرجان

وقد قيل‏:‏ إنما سميت جرجان لأنه بناها جرجان بن لاوذ بن سام بن نوح‏.‏

ولما قتل النعمان بن مقرن ولى أخاه سويد بن مقرن وكاتب ملك جرجان ثم سار إليها ففتحها وصالحوه على أخذ الجزية منهم‏.‏

ومن الناس من يقول‏:‏ كان فتحها في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

وقال المدائني‏:‏ إنما فتحت في زمان عثمان سنة ثلاثين‏.‏

وفيها فتح أذربيجان على يدي عتبة وكتب لهم كتاب أمان وهذا في رواية سيف‏.‏

وقال أبو معشر‏:‏ كانت أذربيجان في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

وفي هذه الغزاة‏:‏ بعث عتبة إلى عمر رضي اللّه عنه بخبيص أهداه إليه‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص حدَّثنا أحمد بن عبد اللّه حدَثنا السري بن يحيى حدَّثنا شعيب حدٌثنا سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس أو عامر عن عتبة بن فرقد قال‏:‏ قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال من خبيص فشهدت غداه فأتى بجفنة من ثريد فأخذ وأخذنا فجعلت أرى عليه الشيء أحسبه سنامًا فإذا لكته وجدته عليًا فأتطلب غفلته حتى أجعله بين الخوان والقصعة ففعلت ذلك مرارًا وكففت‏.‏

ثم دعى بعس من عساس العرب فيه نبيذ شديد فشرب ثم ناولني فلم أطقه ثم قال‏:‏ نأكل من هذا اللحم ونشرب عليه من هذا النبيذ الشديد فيقطعه في بطوننا إنا لننحر للمسلمين الجزور فنطعم المسلمين أطايبها ويأكل عمر وآل عمر عنقها فقلت له‏:‏ إنك مشغول بحوائج المسلمين وقد أهديت لك طعامًا يعصمك ويقويك قال‏:‏ فاعرضه علي قال‏:‏ فأديت له تلك السلال وكشفت له عنها فقال‏:‏ أقسمت عليك لما لم تدع أحدًا من المسلمين إلا أهديت له مثل هذا فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين واللّه لو جمع مال قيس بن عيلان ما وسع لذاك فقال‏:‏ ضم هديتك إليك فإنه لا حاجة لي في شيء لا يشبع المسلمين‏.‏

وفي هذه السنة

 فتح طبرستان وقيل

إنه كان في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

وفيها‏:‏ استقضى عمر شريح بن الحارث الكندي على الكوفة‏.‏

وعلى البصرة كعب بن سور الأزدي‏.‏

وفي هذه السنة

 حج عمر بالناس

وكانت ولاته على الأمصار الولاة الذين كانوا في سبع عشرة‏.‏

وفيها‏:‏ حول عمر المقام في ذي الحجة إلى موضعه اليوم وكان ملصقًا بالبيت قبل ذلك‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

قد ذكرنا أنه توفي في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفًا ونذكر من كبارهم من له خبر‏.‏

أويس بن عامر

ابن جرير بن مالك القرني‏:‏ وقيل‏:‏ هو أويس بن أنس وقيل‏:‏ أويس بن الخليص‏.‏

كان من الزهد على غاية كان يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويأكل بعضها ويتصدق ببعضها وعرى حتى جلس في قوصره‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن المذهب قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدَّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل حدَّثني أبي قال‏:‏ حدَّثني عبد اللّه بن عمر القواريري قال‏:‏ حدَّثنا معاذ بن هشام قال‏:‏ حدَثني أبي عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أسير بن جابر قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم‏:‏ هل فيكم أويس بن عامر بن مراد حتى أتى على أويس فقال‏:‏ أنت أويس بن عامر بن مراد قال‏:‏ نعم قال‏:‏ كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ لك والدة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي‏.‏

فاستغفر له فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ أين تريد‏.‏

قال‏:‏ الكوفة فقال‏:‏ ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك فقال‏:‏ لأن أكون في غبراء الناس أحب إليِّ قال‏:‏ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس كيف تركته‏.‏

قال‏:‏ تركته رث البيت قليل المتاع فقال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها برّ لو أقسم على اللّه لأبرَّه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ‏"‏‏.‏

فلما قدم الكوفة أتى أويسًا فقال‏:‏ استغفر لي فقال‏:‏ أنت أحدث عهدًا بِسَفْرٍ صالحٍ فاستغفر لقيت عمر‏.‏

قال‏:‏ نعم فاستغفر له‏.‏

ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير‏:‏ وكسوته بردًا فكان إذا رآه إنسان عليه قال‏:‏ من أين لأويس هذا البرد‏.‏

أخبرنا أحمد بن منصور الصوفي أخبرنا المعتمر بن أحمد أخبرنا أحمد بن محمد الثعالبي أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان حدَّثنا الحسين بن أحمد بن صدقة حدَّثنا أحمد بن أبي خيثمة حدَّثنا موسى بن إسماعيل حدَّثنا حماد عن الجريري عن أسير بن جابر‏:‏ أن أويسًا القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعًا لا يقع حديث غيره‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم أخبرنا حمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ حدَّثنا أبو بكر محمد بن أحمد حدثنا الحسن بن محمد حدَثنا عبد اللّه بن عبد الكريم حدَثنا سعيد بن أسد بن موسى حدَّثنا ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد‏:‏ قال‏:‏ كان أويس القرني إذا أمسى يقول‏:‏ هذه ليلة الركوع فيركع حتى يصبح وكان يقول إذا أمسى‏:‏ هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل والثياب ثم يقول‏:‏ اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به ومن مات عريانأ فلا تؤاخذني به‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم أخبرنا حمد بن أحمد أخبرنا أحمد بن عبد اللّه حدَّثنا أبو بكر بن مالك حدَّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل حدَّثنا زكريا بن يحيى بن حموية حدَثنا الهيثم بن عدي حدَّثنا عبد اللّه بن عمرو بن مرة عن أبيه عن عبد الله بن سلمة قال‏:‏ غزونا أذربيجان زمان عمر بن الخطاب رضىِ اللّه عنه ومعنا أويس القرني فلما رجعنا مرض علينا فحملنا فلم يستمسك فمات فنزلت فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط فغسلناه وكفناه وصلينا عليه فقال بعضنا لبعض‏:‏ لو رجعنا فعلمنا قبره فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر‏.‏

وقد روي أنه عاش بعد ذلك طويلًا حتى قتل مع علي رضي الله عنه يوم صفين‏.‏

والأول أثبت‏.‏

الحارث بن هشام بن المغيرة

ابن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم أبو عبد الرحمن المخزومي القرشي‏:‏ أمه أسماء بنت مخرمة‏.‏

لم يزل مقيمًا على كفره إلى يوم الفتح فدخل على أم هانىء فأجارته ثم لقي رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وشهد معه حنينًا فأعطاه من غنائمها مائة من الإبل ثم لم يزل مقيمًا بمكة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما جاء كتاب أبي بكر يستنفر المسلمين إلى غزو الروم قدم المدينة ثم خرج غازيًا إلى الشام فشهد قحل وأجنادين‏.‏

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال‏:‏ أنبأنا أبو الفتح أحمد بن محمد بن الحداد أخبرنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن ميمون الحافظ أن الحاكم أبا أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الحافظ أخبره أخبرنا أبو يوسف محمد بن سفيان الصفار حدَثنا سعيد بن رحمة بن نعيم الأصبحي قال‏:‏ سمعت ابن المبارك عن الأسود بن شيبان السدوسي عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال‏:‏ خرج الحارث بن هشام من مكة فجزع أهل مكة جزعًا شديدًا فلم يبق أحد لِطعم إلا خرج يشيعه حتى إذا كان بأعلى البطحاء أو حيث شاء الله من ذلك فوقف ووقف الناس حوله يبكون فلما رأى جزع الناس قال‏:‏ يا أيها الناس إني واللّه ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم ولا اختيار بلد على بلدكم ولكن كان الأمر فخرجت فيه رجال من قريش واللهّ ما كانوا من ذوي أنسابها ولا في بيوتاتها فأصبحنا ولو أن جبال مكة ذهب فأنفقناها في سبيل اللهّ ما أدركنا يومًا من أيامهم والله لئن فاتونا به في الدنيا لنلتمسن أن نشاركهم في الآخرة فاتقى اللّه امرؤ فتوجه غازيًا إلى الشام واتبعه ثقله فأصيب شهيدًا‏.‏

وفي رواية‏:‏ إنه مات في طاعون عمواس من هذه السنة‏.‏

سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي أبو زيد‏:‏ كان من أشراف قومه والمنظور إليه منهم شهد مع المشركين بدرًا فأسره مالك بن الدخشم ثم انه أفلت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه وقال‏:‏ ‏"‏ من وجده فليقتله ‏"‏ فوجده رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمر به فربطت يده إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته فلم يركب حتى ورد المدينة ثم قدم في فدائه مكرز بن حفص فبذل أربعة آلاف فقالوا‏:‏ هات المال قال‏:‏ نعم اجعلوني في مكانه رهنًا حتى يرسل إليكم فخلي سبيل سهيل وحبسوا مكرزًا فبعث سهيل بالمال‏.‏

وسهيل هو الذي خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وكتب القضية على أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك العام ويعود من قابل فأقام على دينه إلى زمان الفتح‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال‏:‏ قال سهيل بن عمرو‏:‏ لما دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة اقتحمت بيتي وغلقت عليّ بابي وأرسلت إلى ابني عبد الله وكان عبد اللّه قد أسلم وشهد بدرًا‏:‏ اطلب لي جوارًا من محمد فإني لا آمن أن أقتل فذهب عبد اللهّ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللهّ أبي تؤمنه فقال‏:‏ ‏"‏ نعم هو آمن بأمان الله عز وجل فليظهر ‏"‏‏.‏

ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمن حوله‏:‏ ‏"‏ من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه فلعمري أن سهيلًا له عقل وشرف وما مثل سهيل‏.‏

جهل الإسلام ‏"‏ فخرج عبد الله بن سهيل إلى أبيه فخبره بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل‏:‏ كان والله برًا صغيرًا وكبيرًا فكان سهيل يقبل ويدبر آمنَاَ وخرج إلى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على شركه حتى أسلم بالجعرانة فأعطاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ حدًثني ابن قماذين قال‏:‏ لم يكن أحد من كبراء قريش الذين تأخر إسلامهم فأسلموا يوم فتح مكة أكثر صلاة ولا صومًا ولا صدقة ولا أقبل على ما يعينه من أمر الآخرة من سهيل بن عمرو حتى إن كان لقد شحب وتغير لونه وكان يكثر البكاء رقيقًا عند سماع القرآن‏.‏

ولقد رؤي يختلف إلى معاذ بن جبل يقرئه القرآن وهو بمكة حتى خرج معاذ من مكة وحتى قال له ضرار بن الخطاب‏:‏ يا أبا يزيد يختلف إليّ هذا الخزرجي يقرئك القرآن ألا يكون اختلافك إلى رجل من قومك فقال‏:‏ يا ضرار إن هذا الذي صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق إني لعمري أختلف إليه فقد وضع الإسلام أمر الجاهلية ورفع أقوامًا بالإسلام كانوا في الجاهلية كانوا لا يذكرون فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا وإني لأذكر ما قسم اللّه لي في تقدم إسلام أهل بيتي الرجال والنساء ومولاي عمير بن عوف فأسر به وأحمد اللّه عليه وأرجو أن يكون اللّه ينفعني بدعائهم أن لا أكون مت أو قتلت على ما مات نظرائي أو قتلوا قد شهدت مواطن كلها أنا فيها معاند للحق‏:‏ يوم بدر ويوم أحد والخندق‏.‏

وأنا وليت أمر الكتاب يوم الحديبية يا ضرار إني لأذكر مراجتي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومئذ وما كنت ألظ به من الباطل فأستحي من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا بمكة وهو بالمدينة ولكن ما كان فينا من الشرك أعظم من ذلك‏.‏

ولقد رأيتني يوم بدر وأنا في حيز المشركين وأنا أنظر إلى ابني عبد الله ومولاي عمير بن عوف قد فرّا مني فصارا في حيز محمد صلى الله عليه وسلم وما عمي علي يومئذ من الحق لما أنا فيه من الجهالة وما أرادهما اللّه به من الخير ثم قتل ابني عبد اللهّ بن سهيل يوم اليمامة شهيدًا فعزاني أبو بكر رضي اللّه عنه وقال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الشهيد ليشفع لسبعين من أهل بيته ‏"‏ فأنا أرجوأن أكون أول من يشفع له‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وأخبرنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن زياد بن مينا عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري قال‏:‏ اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام ليالي أغزانا أبو بكر الصديق فسمعت سهيلًا يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير من عمله عمره في أهله ‏"‏ قال سهيل‏:‏ وأنا أرابط حتى أموت ولا أرجع إلى مكة أبدًا‏.‏

فلم يزل بالشام حتى مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر بن حمدان حدَثنا عبد اللّه بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي حدَّثنا عفان حدَّثنا جرير بن حازم قال‏:‏ سمعت الحسن قال‏:‏ حضر باب عمر بن الخطاب سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وأبو سفيان بن حرب ونفر من تلك الرؤوس وصهيب وبلال وتلك الموالي الذين شهدوا بدرًا فخرج أذن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فأذن لهم وترك هؤلاء فقال أبو سفيان‏:‏ لم أر كاليوم قط يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه لا يلتفت إلينا فقال سهيل بن عمرو وكان رجلًا عاقَلَا‏:‏ أيها القوم إني واللّه قد أرى الذي في وجوهكم إن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم دُعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم أما واللّه لما سبقوكم إليه من الفضل مما لا ترون أشد عليكم قوتَاَ من بابكم هذا الذي تنافسونهم عليه‏.‏

قال‏:‏ ونفض ثوبه وانطلق‏.‏

قال الحسن‏:‏ وصدق واللّه سهيل لا يجعل اللّه عبدًا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه‏.‏

شرحبيل بن حسنة‏:‏ وهي أمه وهو ابن عبد اللّه بن المطاع بن عمرو ويكنى أبا عبد اللّه‏:‏ هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات وهو أحد الأمراء الذين عقد لهم أبو بكر الصديق إلى الشام وتوفي في هذه السنة بالشام وهو ابن سبع وستين سنة‏.‏

عامر بن عبد اللّه بن الجراح أبو عبيدة الفهري‏:‏ منسوب إلى فهر قريش وكذلك حبيب بن مسلمة الفهري وقد ينسب قوم إلى فهر الأنصار منهم عبادة وأوس ابنا الصامت‏.‏

كان أبو عبيدة نحيف البدن معروق الوجه خفيف اللحية طوالًا أحنى أثرم الثنيتين‏.‏

أسلم قبل دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة في بعض الروايات ثم إلى المدينة وشهد بدرًا وأحدًا وثبت يومئذ مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين انهزم الناس وبعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سرية في ثلاثمائة وبضعة عشر وألقى لهم البحر حوتًا يقال له العنبر فأكلوا منه‏.‏

وأقام ضلعًا من أضلاعه ورحَل بعيرٌ بأجازه تحته‏.‏

وقدم أهل اليمن على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبعث معهم رجلًا يعلمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة وقال‏:‏ هذا أمين هذه الأمة‏.‏

أخبرنا ابن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثني إسحاق بن يحيى عن عيسى بن طلحة عن عائشة قالت‏:‏ سمعت أبا بكر رضي اللّه عنه يقول‏:‏ لما كان يوم أحد ورمي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر فأقبلت أسعى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل يطير طيرانًا فقلت‏:‏ اللهم اجعله طلحة حتى توافينا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإذا أبو عبيدة بن الجراح بدرني فقال‏:‏ أسألك باللّه يا أبا بكر ألا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركته فأخذ بثنيته أحد حلقتي المغفر فنزعها فسقط على ظهره وسقطت ثنية أبي عبيدة‏.‏

ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت فكان أبو عبيدة في الناس أثرم‏.‏

توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس وهو ابن ثمان وخمسين سنة‏.‏

 العاص بن سهيل بن عمرو

ويكنى أبا جندل‏:‏ أسلم قديمًا بمكة فقيده أبوه فلما نزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الحديبية أقبل يرسف في قيده فقال سهيل‏:‏ هذا أول ما أقاضيك عليه فرده فأفلت ومضى إلى أبي بصير بالعيص فكانوا يتعرضون عير قريش فمات أبو بصير فقدم أبو جندل فلم يغز مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى توفي ثم خرج إلى الشام فجاهد فتوفي في طاعون عمواس‏.‏

عتبة بن مسعود بن حبيب

أخو عبد اللّه بن مسعود لأبيه وأمه‏:‏ وكان قديم الإسلام بمكة وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم قدم فشهد أحدًا والمشاهد بعدها ومات في خلافة عمر وصلى عليه‏.‏

عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن حطمة

وهو عمير القاري‏:‏ وكان قديم الإسلام ضرير البصر وكانت عصماء بنت مروان تؤذي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتحرض عليه وتعيب الإسلام وتقول في ذلك الشعر فلما غاب رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم ببدر نذر عمير إن اللّه رَدَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سالمًا أن يقتل عصماء فلما رجع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من بدر أتاها عمير في جوف الليل فقتلها ثم أتى رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏"‏‏.‏

وكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم لم قال‏:‏ إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللّه ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي‏"‏‏.‏

وكان عمير يؤذن لقومه‏.‏

الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو محمد

أمه أم الفضل وهي لبابة الكبرى وهو أسن ولد العباس غزا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكة وحنينًا وثبت معه يومئذ حين انهزم الناس فيمن ثبت معه من أهل بيته وشهد معه حجة الوداع وأردفه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وراءه وكان من جملة من حضر غسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتولى دفنه ثم خرج بعد ذلك إلى الشام مجاهدًا فمات في ناحية الأردن في هذه السنة‏.‏

عدي بن أبي الزغباء

واسم أبي الزغباء سنان بن سُبيع‏:‏ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع بَسْبَس بن عمرو الجُهَني طليعة يتجسسان خبر العير فوردا بدرًا فوجدا العير قد مرت وفاتتهما فرجعا فأخبرا النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وشهد عدي بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليس له عقب‏.‏

عويم بن ساعدة

ابن عائش بن قيس بن النعمان يكنى أبا عبد الرحمن‏:‏ ويروى أنه كان في الثمانية الذين لقوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الأنصار بمكة فأسلموا‏.‏

وشهد العقبتين وتوفي وهو ابن خمس وستين سنة‏.‏

معاذ بن جبل

ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب أبو عبد الرحمن‏:‏ كان طولًا أبيض حسن الثغر براق الثنايا عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدًا قططًا‏.‏

شهد العقبة مع السبعين‏.‏

وآخى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين ابن مسعود وشهد بدرًا وهو ابن عشرين سنة أو إحدى وعشرين وشهد أحدًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن في ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة وشيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاه بحسن الخلق وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على اليمن ولما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف معاذ بن جبل فأخذه الطاعون فجعل يقول وهو يغمى عليه‏:‏ وعزتك إنك لتعلم أني أحبك جزعني ما أردت‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو إسحاق البرمكي أخبرنا أبو عمرو بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف حدَّثنا الحسين بن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد أخبرنا عبيد اللّه بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن شهر بن حوشب عن الحارث بن عميرة قال‏:‏ إني لجالس عند معاذ وهو يموت فهو يغمى عليه مرة ويفيق مرة فسمعته يقول عند إفاقته‏:‏ اخنُق خَنِقَك فوعزتك إني أحبك‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا سعيد بن أبي عروبة قال‏:‏ سمعت شهر بن حوشب يقول‏:‏ قال عمر بن الخطاب‏:‏ لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته فسألني عنه ربي لقلت‏:‏ رب سمعت نبيك يقول‏:‏ ‏"‏ إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قَذْفَةَ حَجَر ‏"‏‏.‏

أخبرنا ابن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي أخبرنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم حدَّثنا الهيثم بن علي حدَثنا محمد بن راشد الخزاعي عن محفوظ بن علقمة عن أبيه‏:‏ أن معاذا كان يأكل تفاحًا ومعه امرأة له وغلام فأكلت امرأته نصف تفاحة ثم ناولت الغلام نصفها فأوجعها ضربًا‏.‏

ورأى امرأته تطلع من كوة فأوجعها ضربًا‏.‏

توفي معاذ في طاعون عمواس بناحية الأردن من الشام وهو ابن ثمان وثلاثين سنة

وقيل‏:‏ ثلاث وثلاثين سنة‏.‏

محلم بن جثامة بن قيس

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا أبو عمرو بن حيوية أخبرنا ابن معروف حدَّثنا ابن الفهم حدَّثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَثنا يزيد بن قسيط عن أبيه عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه قال‏:‏ لما وجهنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع أبي قتادة الأنصاري إلى بطن أطم فبينا نحن ننظر أطم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلمِ علينا بتحية الإسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله وسلبه بعيره ومتاعاَ ووطيًا من لبن فلما لحقنا النبي صلى الله عليه وسلم نزل فيه القرآن‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا‏}‏ النساء‏:‏ 94‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ وحدَّثنا غير عبد الله بن يزيد قال‏:‏ لما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بحنين صلى يومًا الظهر ثم تنحى إلى شجرة فقام إليه عيينة بن بدر وهو سيد قيص يطلب دم عامر بن الأضبط فقام الأقرع بن حابس يدفع عن محلم لمكان خندف فاختصما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يأخذ الدية ‏"‏‏.‏

فأبى عيينة فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى قبلوها فقال الناس لمحلم‏:‏ إئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فقام وعليه حُلّة قد تهيأ فيها للقصاص حتى جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال‏:‏ يا رسول اللّه قد كان من الأمر ما بلغك وإني أتوب إلى اللّه فاستغفر لي فقال‏:‏ ما اسمك‏.‏

قال‏:‏ محلم بن جثامة قال‏:‏ قتلته بسلاحك في غيرة الإسلام اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة بصوت عال أنفذ به الناس فعاد فقال‏:‏ قد كان الذي بلغك وإني أتوب إلى اللهّ فاستغفر لي فعاد النبي صلى الله عليه وسلم بصوت عال‏:‏ ‏"‏ اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ‏"‏ ثلاثَاَ‏.‏

فقام من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى دموعه بفضل ردائه‏.‏

فقال ضمرة الأسلمي‏:‏ كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرك شفتيه بالاستغفار ولكنه أراد أن يعلم الناس قدر الدم عند الله وكان ضمرة قد شهد ذلك اليوم‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ لما مات محلم بن جثامة لفظته الأرض بعد دفنه ثم دفنوه فلفظته الأرض فطرحوه فأكلته السباع‏.‏

وقال الحسن‏:‏ إنها لتقبل ممن هو شر منه ولكن اللّه أحب أن يريكم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ نزل محلم حمص وتوفي بها‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع عشرة

فمن الحوادث فيها

 وقعة نهاوند

قال ابن إسحاق‏:‏ كانت في سنة إحدى وعشرين وقال غيره‏:‏ في سنة ثماني وكان من حديث نهاوند أن النعمان بن مقرن كتب إلى عمر يخبره أن سعد بن أبي وقاص استعمله على جباية الخراج وأنه قد أحب الجهاد فكتب عمر إلى سعد‏.‏

ابعث به إلى نهاوند ثم كتب عمر إلى النعمان‏:‏ أما بعد فقد بلغني أن جموعًا كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين‏.‏

كذا في رواية‏.‏

وأصح من هذا ما أخبرنا به أبو محمد يحيى بن علي المدبر أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون قال‏:‏ أخبرنا علي بن عمر الدارقطني قال‏:‏ قرىء على أبي محمد يحيى بن محمد بن صاعد وأنا أسمع‏:‏ حدثكم يعقوب بن إبراهيم قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرحمن بن مهدي قال‏:‏ حدَّثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد اللّه المزني عن معقل بن يسار‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه شاور الهرمزان فقال‏:‏ ما ترى أن أبدأ بفارس أو بأذربيجان أو بأصبهان‏.‏

قال‏:‏ إن فارس وأذربيجان الجناحان والرأس أصبهان فإن قطعت أحد الجناحين يأتي الرأس بالجناح الآخر وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فأبدأ بالرأس أصبهان‏.‏

فدخل عمر المسجد والنعمان بن مقرن يصلي فقعد إلى جنبه فلما قضى صلاته قال‏:‏ إني أريد أن أستعملك قال‏:‏ أما جابيًا فلا ولكن غازيًا قال‏:‏ وأنت غازٍ‏.‏

فوجهه إلى أصبهان وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه‏.‏

فأتاهم العدو وبينه وبينهم النهر فأرسل إليهم المغيرة بن شعبة فأتاهم فقيل لملكهم وكان يقال له ذو الجناحين‏:‏ إن رسول العرب على الباب فشاور أصحابه فقال‏:‏ ما ترون‏.‏

أقعد له في بهجة الملك وهيئة الملك أو أقعد له في هيئة الحرب فقالوا أقعد له في هيئة الملك فقعد على سريره ووضع التاج على رأسه وقعد أبناء الملوك نحو السماطين عليهم القرط وأسورة الذهب وثياب الديباج ثم أذن له فدخل ومعه رمحه وفرسه فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا وقد أخذ بضبعيه رجلان فقام بين يديه فتكلم ملكهم فقال‏:‏ إنكم معشر العرب أصابتكم مجاعة وجهد فإن شئتم أمرناكم ورجعتم فتكلم المغيرة فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإنا معشر العرب كنا نأكل الجيف والميتة ويطأونا الناس ولا نطأوهم وأن اللّه ابتعث منا نبيًا صلى الله عليه وسلم كان أوسطنا نسبًا وأصدقنا حديثًا فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أهله وأنه وعدنا أشياء وجدناها كما قال وانلا وعدنا فيما وعدنا أنَّا سنظهر عليكم ونغلب على ما ها هنا وأني أرى عليكم بزة وهيئة وما أرى من خلفي يذهبون حتى يصيبوها قال‏:‏ ثم قالت لي نفسي‏:‏ لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فقعدت جمع العلج على سريره حتى يتطير‏.‏

قال‏:‏ فوجدت غفلة فوثبت فإذا أنا معه على سريره‏.‏

قال‏:‏ فأخذوه فجعلوا يتوجأونه ويطأونه بأرجلهم قال‏:‏ قلت‏:‏ هكذا تفعلون بالرسل إنا لا نفعل هذا برسلكم إن كنت أسأت أو أخطأت فإن الرسل لا يفعل بهم هذا قال الملك‏:‏ إن شئتم قطعتم إلينا وإن شئتم قطعنا إليكم‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ بل نقطع إليكم فقطعنا إليهم فتسلسلوا كل عشرة في سلسلة وكل خمسة وكل ثلاثة قال‏:‏ فصاففناهم فرشقونا حتى أسرعوا فينا فقال يعني النعمان‏:‏ إني هازٌ لوائي ثلاث هزات فأما الهزة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضأ وأما الثانية فنظر رجل في سلاحه وفي شِسعه فأصلحه وأما الثالثة فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد فإن قتل النعمان فلا يلوين عليه أحد وإني داع اللهّ بدعوة فعزمت على كل أمرىء منكم لما أمَّنَ عليها اللهم اعط النعمان اليوم الشهادة في نصر المسلمين وفتح عليهم فهز لواؤه أول مرة ثم هزه الثانية ثم هزه الثالثة ثم تمثل درعه ثم حمل فكان أول صريع رحمه الله‏.‏

قال معقل‏:‏ فأتيت عليه فذكرت عزيمته فجعلته علمًا ثم ذهبت فكنا إذا قتلنا رجلًا شغل عنا أصحابه ووقع ذو الجناحين عن بغلته فانشق بطنه‏.‏

قال‏:‏ فهزمهم اللّه‏.‏

ثم جئت إلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء فغسلت عن وجهه فقال‏:‏ من أنت قال‏:‏ قلت‏:‏ معقل بن يسار فقال‏:‏ ما فعل الناس قلت‏:‏ فتح اللّه عليهم قال‏:‏ الحمد للّه اكتبوا بذلك إلى عمر وفاضتَ نفسه رحمه اللّه‏.‏

قال‏:‏ واجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس وفيهم ابن عمر وابن الزبير أو الزبير وعمرو بن معدي كرب وحذيفة فبعثوا إلى أم ولده فقالوا‏:‏ ما عهد إليك عهدًا فقالت‏:‏ ها هنا سفط فيه كتاب فأخذوه وكان فيه‏:‏ فإن قتل النعمان ففلان فإن قتل فلان ففلان‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد اللّه قال‏:‏ حدَّثنا السري قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال‏:‏ حدَّثنا سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد قالوا‏:‏ كان سبب نهاوند في زمان سعد بن أبي وقاص واجتماع الأعاجم إليها خروج بعوث المسلمين نحوهم وكانت الوقعة مع عزله وقد أقر عمر رضي اللّه عنه على الكوفة خليفته عبد اللّه بن عتبان وكانت الوقعة والفتح في إمارة عبد الله وكان من حديثهم أنهم نفروا لكتاب يزدجرد الملك فتوافوا إلى نهاوند فتوافى إليها من بين خراسان إلى حلوان ومن بين الباب إلى حلوان ومن بين سجستان إلى حلوان فاجتمعت حَلْبة فارس والفَهْلوج أهل الجبال من بين الباب إلى حلوان ثلاثون ألف مقاتل ومن بين خراسان إلى حلوان ستون ألف مقاتل ومن بين سجستان إلى فارس وحلوان ستون ألف مقاتل واجتمعوا على الفيرزان‏.‏

قالوا‏:‏ إن عمر قد تناولكم وأتى أهل فارس في عقر دارهم وهو آتيكم إن لم تأتوه وقد أخرب بيت مملكتكم وليس بمنتبه إلا أن تخرجوا من في بلادكم من جنوده وتقلعوا هذين المِصْرين ثم تشغلوه في بلاده وقراره فتعاهدوا على ذلك وكتبوا بينهم كتابًا‏.‏

فكتب عبد اللّه إلى عمر أنه قد اجتمع منهم خمسون ومائة ألف مقاتل فإن جاءونا قبل أن نبدأهم ازدادوا جرأة وقوة وإن نحن عاجلناهم كان ذلك لنا‏.‏

وقدم بالكتاب قريب بن ظفر العبدي فقال له عمر‏:‏ ما أسمك قال‏:‏ قريب قال‏:‏ ابن من‏.‏

قال‏:‏ ابن ظفر فتفاءل بذلك وقال‏:‏ ظفر قريب إن شاء اللّه ولا قوة إلا بالله ونودي في الناس‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمع الناس ووافاه سعد فتفاءل بمجيء سعد ثم قام عمر خطيبًا وأخبر الناس الخبر واستشارهم وآل الأمر إلى أن ولى النعمان بن مقرن‏.‏

فلما التقوا سار في الناس فجعل يقف على كل راية فيحمد اللّه ويثني عليه ويقول‏:‏ قد علمتم ما أعزكم اللّه به من هذا الذين وما وعدكم من الظهور وقد أنجز لكم هَوادِيَ ما وعدكم وإنما بقيت أعجازه وأكارعه واللّه منجز وعده ولا يكونن على دنياهم أحنى منكم على دينكم وإنكم تنتظرون إحدى الحسنيين‏:‏ من بين شهيد حيّ مرزوقَ أو فتح قريب فاستعدوا فإني مكبر ثلاثًا فإذا كبرت التكبيرة الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ فإذا كبرت الثانية فليشد سلاحه وليتأهب للنهوض فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا معًا اللهم أعز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد‏.‏

فلما كبر وحمل حمل الناس فاقتتلوا قتالًا لم يسمع السامعون بمثله فزلق فرس النعمان به في الدماء فصرعه وأصيب النعمان حينئذ فتناول الراية منه نعيم بن مقرن وسجى النعمان بثوب وأتى حذيفة فأقام اللواء وقال المغيرة‏:‏ اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع اللّه فينا وفيهم لكيلا يَهِنَ الناس فاقتتلوا حتى إذا أظلم الليل انكشف المشركون والمسلمون ملظُّون بهم فتهافتوا في الحفر الذي نزلوا دونه فمات منهم مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة ولم يفلت إلا الشَريد ونجا الفيرزان فهرب نحو همذان فأتبعه نعيم بن مقرن وقدم القعقاع قدامه فأدركه حتى انتهى إلى ثنية همذان والثنية مشحونة بين بغال وحمير موقرة عسلًا فحبسته الدواب على أجَلِه فقتله على الثنية‏.‏

وقال المسلمون‏:‏ إن للّه جنودًا من عسل واستاقوا العسل ومضى الفُلال حتى انتهوا إلى همذان والخيل في آثارهم فدخلوها فنزل المسلمون عليهم وحووا ما حولها فلما رأى ذلك خُسْرَوْشُنُوم استأمنهم‏.‏

على أن يضمن لهم همذان ودَسْتَبي‏.‏

ودخل المسلمون بعد هزيمة المشركين يوم نهاوند مدينة نهاوند واحتووا ما فيها وما حولها‏.‏

فبينما هم يتوقعون ما يأتيهم من إخوانهم بهمذان أقبل الهربذ على أمان فقال لحذيفة‏:‏ أتؤمنني على أن أخبرك بما أعلم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ إن النَخَيْرَجان وضع عندي ذخيرة لكسرى فأنا مخرجها لك على أماني وأمان من شئت فأعطاه ذلك فأخرج له جوهر كسرى كان أعده لنوائب الزمان فنظروا في ذلك فأجمع رأي المسلمين على رفعه إلى عمر وجعله له فبعثوا به‏.‏

وقسم حذيفة بين المسلمين غنائمهم فكان سهم الفارس يوم نهاوند ستة آلاف وسهم الراجل ألفين‏.‏

وكان عمر يتململ في الليالي التي قدر أنهم يلتقون فيها فبينا رجل من المسلمين قد دخل المدينة ليلًا لحق به راكب فقال‏:‏ يا عبد اللّه من أين أقبلت قال‏:‏ من نهاوند قال‏:‏ ما الخبر‏.‏

قال‏:‏ الخبر خير فتح اللّه على النعمان واستشهد وقسم المسلمون الفيء فأصاب الفارس ستة آلاف فدخل الرجل فأصبح يتحدث فبلغ عمر الخبر فأرسل إليه يسأله فأخبره فقال‏:‏ صدقت هذا بريد الجن ثم جاء الخبر والأخماس والذخيرة فرد الذخيرة إلى حذيفة وقال‏:‏ أقسمها على ما أفاءها الله عليه‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد روي لنا فتح نهاوند من طريق آخر‏:‏ أنبأنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم بن محمد بن أحمد المحاملي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ حدَّثنا شعيب بن أيوب قال‏:‏ حدَّثنا أبو يحيى الحماني قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن قال‏:‏ كانت عظماء الأعاجم من أهل قومس وأهل الري وأهل همذان وأهل نهاوند قد تكاتبوا وتعاهدوا على أن يخرجوا العرب من بلادهم ويغزوهم فبلغ ذلك أهل الكوفة ففزعوا فيه إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فلما قدموا عليه نادى في الناس‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمع الناس ثم صعد المنبر فقال‏:‏ أيها الناس إن الشيطان قد جمع جموعًا فأقبل بها ليطفئوا نور اللّه ألا إن أهل قومس وأهل الري وأهل همذان وأهل نهاوند قد تعاهدوا على أن يخرجوا العرب من بلادهم ويغزوكم في بلادكم فأشيروا عليّ‏.‏

فقام طلحة فقال‏:‏ أنت ولي هذا الأمر وقد أحكمت التجارب فادعنا نجب ومرنا نطع فأنت مبارك الأمر ميمون النقيبة ثم جلس‏.‏

فقال عمر‏:‏ تكلموا فقام عثمان فقال‏:‏ أرى أن تكتب إلى أهل الشام فيسيرون من شأمهم ولَكتب إلى أهل اليمن فيسيرون من يمنهم وتسير أنت بنفسك من هذين الحرمين إلى هذين المصرين من أهل الكوفة والبصرة فتلقى جموع المشركين في جموع المسلمين‏.‏

ثم قام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فقال‏:‏ إنك إن أشخصت أهل الشام سارت الروم إلى ذراريهم وإنك إن أشخصت أهل اليمن سارت الحبشة إلى ذراريهم وإنك متى شخصت من هذين الحرمين انتقضت عليك الأرض من أقطارها حتى تكون ما تخلف خلفك من العورات أهم إليك مما بين يديك ولكن أرى أن تكتب إلى أهل البصرة فيفترقون ففرقة تقيم في أهاليها وفرقة يسيرون إلى إخوانهم بالكوفة واما ما ذكرت من كثرة القوم فإنا لم نكن نقاتلهم فيما خلا بالكثرة ولكنا نقاتلهم بالنصر‏.‏

فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ صدقت يا أبا الحسن هذا رأي ولئن شخصت من البلدة لتنقضن عليّ الأرض من أقطارها وليمدنهم من لم يكن يمدهم فأشيروا عليّ برجل أوليه ذلك الثغر قالوا‏:‏ أنت أفضلنا رأيا قال‏:‏ أشيروا عليّ به واجعلوه عراقيًا قالوا‏:‏ أنت أعلم بأهل العراق قال‏:‏ لأولّينّ ذلك الثغر رجلًا يكون قتيلًا في أول سنة قالوا‏:‏ ومن هو قال‏:‏ النعمان بن مقرن ثم كتب إلى أهل البصرة بما أشار به علي رضي اللّه عنه ثم كتب إلى أهل الكوفة إني استعملت عليكم النعمان بن مقرن المزني فإن قتل فعليكم حذيفة بن اليمان فإن قتل عليكم جرير بن عبد الله البجلي فإن قتل فعليكم المغيرة بن شعبة فإن قتل فعليكم الأشعث بن قيس‏.‏

وكتب إلى النعمان‏:‏ أما بعد فإن معك في جندك عمرو بن معدي كرب المذحجي وطليحة بن خويلد الأسدي فاحضرهما الناس وشاورهما في الحرب ولا تولهما عملًا ثم دعا السائب بن الأقرع فدفع إليه الكتاب وقال‏:‏ انطلق فاقرأ كتابي على الناس وانظر ذلك الجيش فإن اللّه أعزهم ونصرهم كنت أنت الذي تلي مغانمهم ومقاسمهم ولا ترفعن إليّ باطلًا ولا تنقص أحدًا شيئًا هو له وإن ذلك الجيش ذهب فاذهب في الأرض ولا أراك بواحدة من عيني ما بقيت أبدًا فسار السائب حتى قدم الكوفة وبعث إلى أهل البصرة بكتابهم ففعلوا ما أراد وسار الناس وأقبلت الأعاجم بمجموعها حتى نزلوا نهاوند وسار النعمان بن مقرن بالناس حتى إذا كان ببعض الطريق بعث بكير بن شداخ الليثي وطليحة بن خويلد الأسدي فأما بكير فرجع فقيل له‏:‏ ما وراءك قال‏:‏ أرض الأعاجم وأنا بها جاهل فخشيت أن يؤخذ عليّ بمضايق الجبال ونفذ طليحة حتى علم الخبر وسار الناس حتى نزلوا نهاوند فأقاموا ثلاثة أيام ولياليهن فاجمعوا أنفسهم ودوابهم ثم غدوا يوم الأربعاء في الحديد فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثر القتلى في الفريقين والجراحات حتى حجز بينهم الليل فرجع الفريقان إلى معسكرهم فبات المسلمون يعصبون بالخرق وتوقد لهم النيران وبات المشركون في المعازف والخمور حتى أصبحوا ثمِ غدوا يوم الخميس على البراذين وأقبية الديباج والسيوف المحلاة فاقتتلوا قتالاَ شديدًا حتى كثر القتلى في الفريقين والجراحات وحجز بينهم الليل فرجع الفريقان إلى معسكرهم فبات المسلمون يعصبون وتوقد لهم النيران وبات المشركون في المعازف والخمور‏.‏

ثم غدوا يوم الجمعة فركب النعمان بن مقرن وكان رجلًا قصيرًا آدم فرسًا أبيض وعليه قباء أبيض وعمامة بيضاء ورفعت الرايات ثم قال‏:‏ أيهما الناس إنكم باب بين العرب والعجم فإن كسر ذلك الباب دخل على المسلمين من ذلك أمر عظيم فليشغل كل رجل منكم قرينه ألا إني أهز الراية هزة فليتعاهد الرجل حزامه وسلاحه ثم إني هاز الثانية فلينظر الرجل إلى مصوب رمحه وموضع سلاحه ووجه مقاتله ثم إني هاز الثالثة فمكبر فكبروا وحامل فاحملوا ومستنصر الله برحمته فاستنصروا اللّه فقال رجل‏:‏ قد فهمنا ما أمرت أيها الأمير ونحن واقفون عند رأيك ومنتهون إلى أمرك وأي النهار تريد أوله أم آخره‏.‏

فقال‏:‏ لا أريد أوله ولكن أريد آخره فإن فيه تهب الرياح وينزل النصر من السماء لمواقيت الصلاة فلما زالت الشمس هز الراية فتعاهد الناس حزم ثوابهم وخيولهم ثم مكث حتى مالت الشمس عن كبد السماء هزها الثانية وصلى بالناس ركعتين خفيفتين ثم وثب الرجال على متون الخيل فوضع كل رجل رمحه بين أذني فرسه وشدت الرجال مناطقها وأقبيتها على ظهورها وحسروا عن شمائلهم وأخذوا السيوف بأيمانهم ثم كبر الثالثة وهز الراية ثم صوبها كأنها جناح طائر ثم حمل وحمل المسلمون فكان النعمان أول قتيل وأتى عليه أخوه وهو قتيل فطرح عليه ثوبه لئلا يعرف ورفع الراية فإذا هي تنضح بالدماء وهزم الله العدو واتبعهم المسلمون فأتى السائب بن الأقرع بالغنائم مثل الأكام ثم أتاه دهقان فقال له‏:‏ أنت السائب بن الأقرع‏.‏

قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنت صاحب غنائم العرب‏.‏

قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل لك أن تؤمنني على دمي وعلى دم ذوي قرابتي وأدلك على كنز النخَيْرَجان‏.‏

قال‏:‏ ويحك إنك تسألني الأمان على دماء قوم لا أدري لعلهم يكونون أمة كثيرة ولا أدري ما كنزك قال‏:‏ هو كنز النخيرجان أنه كان له امرأة ينتابها العالم وان كسرى كان يختلف إليها يزورها ومعه وصائف عليهن المناطق المفضضة وأقبية الديباج وكان لكسرى تاج ياقوت وذلك التاج والحليّ مدفون لم يطلع عليه غيري فانطلق حتى أدلك عليه ليكون لعمر لا حق فيه لأحد لأنه دفن دفنوه ولم يجلبوا عليه في الحرب فأخذ السائب المعول ثم خرج فانطلق بهم حتى أدخلهم قلعة فإذا هم بصخرة فقال‏:‏ اقلعوها فقلعوها فإذا تحتها سفطان ففتحهما فرأى فيهما السائب شيئًا لم ير مثله وخواتيم من ذهب‏.‏

قال السائب‏:‏ فكتمته الناس وأسرعت به السير إلى عمر حتى قدمت به عليه فلما راني ناداني من بعيد‏:‏ ويحك ما وراءك فوالله ما بت هذه الليلة وما أتت ليلة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أعظم عليَّ منها‏.‏

قال السائب‏:‏ فقلت‏:‏ أبشر بفتح الله ونصره التقينا بنهاوند وقص عليه القصة إلى قتل النعمان‏.‏

فقال عمر‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون يرحم الله النعمان يرحم الله النعمان يرحم الله النعمان قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ ما قتل بعده رجل فعرف وجهه فقال‏:‏ هؤلاء الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر وما معرفة عمر وما معرفة عمر لكن الله يعرفهم الذي رزقهم الشهادة وساقهم إليها فهو خير لهم من معرفة عمر ثم وضع يده على صدره فبكى طويلًا ثم أقبل إليّ فقال‏:‏ أعطيت ابشارهم أم دفنتموهم فقلت‏:‏ لا بل دفناهم تم قام عمر فأخذت بثوبه فقلت‏.‏

إن لي إليك حاجة قال‏:‏ وما حاجتك فجلس فأريته ذلك وأخبرته خبر الدهقان فدعا عليًا وابن مسعود وعبد اللهّ بن أرقم صاحب الخزانة فقال‏:‏ ضعوا على هذه خواتيمكم ووضع خاتمه ثم قال لعبد اللّه بن أرقم‏:‏ ارفع هذا عندك ثم انصرف السائب حتى قدم الكوفة فأتاه بريد عمر يدعوه مستعجلًا فأتاه فلما رآه ناداه قبل أن يصل إليه‏:‏ أخبرني خبر السفطين فقال‏:‏ واللهّ لئن رددت عليك حديثهما فزدت حرفَاَ أو نقصت حرفًا لأكذبتك قال‏:‏ ويحك إنه لما فارقتني وأخذت مضجعي من الليل لمنامي أتاني ملائكة فأوقدوا سفطيك على جمرة ثم جعلوا يدفعونها في نحري وأنا أنكب وأعاهد اللّه لأردنهما على ما أفاء اللهّ عليه وكاد ابن الخطاب يحترق بالنار فانطلق بهذين السفطين فضعهما في مسجد الكوفة فإن وجدت بهما عطاء المقاتلة والذرية فبعهما واقسمهما على ما أفاء اللهّ عليه فإن لم تجد بهما إلا نصف عطاء المقاتلة والذرية فبعهما‏.‏

فوضعتهما في مسجد الكوفة فمر بنا عمرو بن حريث فاشتراهما بعطاء المقاتلة والذرية فباع أحد السفطين من أهل الحيرة ثم اشتراهما به وبقي الآخر ربحًا وكان أول قريش عقد بالكوفة مالًا‏.‏

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال‏:‏ حدَّثنا أبو طاهر أحمد بن الحسين بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا دعلج بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن زيد الصائغ قال‏:‏ حدَثنا سعد بن منصور قال‏:‏ حدَّثنا شهر بن حوشب عن الحجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر قال‏:‏ حدَثني شقيق بن سلمة الأسدي عن الرسول الذي جرى بين عمر وسلمة بن قيس الأشجعي قال‏:‏ ندب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الناس مع سلمة بن قيس الأشجعي بالحرة إلى بعض أهل فارس فقال‏:‏ انطلقوا بسم الله وفي سبيل اللّه تقاتلون من كفر باللّه لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا صبيًا ولا شيخًا هرمًا وإذا انتهيت إلى القوم فادعهم إلى الإسلام فإن قبلوا فاقبل منهم واعلمهم أنه لا نصيب لهم في الفيء فإن أبوا فادعهم إلى الجزية فإن قبلوا فضع عليهم بقدر طاقتهم وضع فيهم جيشًا يقاتل من وراءهم وخلهم وما وضعته عليهم فإن أبوا فقاتلهم وإن دعوكم إلى أن تعطوهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعطوهم ذمة الله ولا ذمة محمد ولكن اعطوهم ذمة أنفسكم ثم وفوا لهم فإن أبوا عليكم فقاتلوهم فإن اللّه ناصركم عليهم‏.‏

فلما قدمنا البلاد دعوناهم إلى كل ما أمرنا به فأبوا فلما مسهم الحصر نادوا‏:‏ أعطونا ذمة اللّه وذمة محمد فقلنا‏:‏ لا ولكن نعطيكم ذمة أنفسنا ثم نفي لكم فأبوا فقاتلناهم فأصيب رجل من المسلمين ثم إن اللّه فتح علينا فملأ المسلمون أيديهم من متاع ورقيق ورقة ما شاءوا ثم إن سلمة بن قيس أمير القوم دخل فجعل يتخطى بيوت نارهم فإذا سفطين معلقين بأعلى البيت فقال‏:‏ ما هذان السفطان فقالوا‏:‏ شيء كانت تعظم بها الملوك بيوت نارهم قال‏:‏ اهبطوهما إلي فإذا عليهما طوابع الملوك بعد الملوك قال‏:‏ ما أحسبهم طبعوا إلا على أمر نفيس علي بالمسلمين فلما جاءوا أخبرهم خبر السفطين فقال‏:‏ أردت أن أفضهما بمحضر منكم ففضهما فإذ هما مملوءان جوهرًا لم ير مثله أو قال‏:‏ لم أر مثله - فأقبل بوجهه على المسلمين فقال‏:‏ يا معشر المسلمين قد علمتم ما أبلاكم اللّه في وجهكم هذا فهل لكم أن تطيبوا بهذين السفطين أنفسًا لأمير المؤمنين لحوائجه وأموره وما ينتابه فأجابوه بصوت رجل واحد‏:‏ إنا نشهد اللهّ أنا قد قبلنا وطابت أنفسنا لأمير المؤمنين فدعاني فقال‏:‏ قد عهدت أمير المؤمنين يوم الحرة وما أوصانا به وما اتبعنا من وصيته وأمر السفطين وطيب أنفس المسلمين له بهما فقد علمت به فامض بهما إليه وأصدقه الخبر ثم ارجع اليّ بما يقول لك فقلت ما لي بد من صاحب فقال‏:‏ خذ بيدك من أحببت فأخذت بيد رجل من القوم وانطلقنا بالسفطين حتى قدمنا بهما المدينة فأجلست صاحبي مع السفطين وانطلقت في طلب أمير المؤمنين عمر فإذا به يغدي الناس وهو يتوكأ على عكاز وهو يقول‏:‏ يا برقي ضع ها هنا‏.‏

فجلست في عرض القوم لا آكل شيئًا فمر بي فقال‏:‏ ألا تصيب من الطعام فقلت‏:‏ لا حاجة لي إليه فرآني الناس وهو قائم يدور فيهم فقال‏:‏ يا برقي خذ خوانك وقصاعك ثم أدبر فاتبعته فجعل يتخلل طرق المدينة حتى انتهى إلى دار قوراء عظيمة فدخلها فدخلت في أثره ثم انتهى إلى حجرة من الدار فدخلها فقمت مليأ حتى ظننت أن أمير المؤمنين قد تمكن من مجلسه فقلت‏:‏ السلام عليك فقال‏:‏ وعليك السلام ادخل فدخلت فإذا هو جالس على وسادة مرتفقَاَ أخرى فلما رآني نبذ إلى التي كان مرتفقًا فجلست عليها فإذا هي تعرى وإذا حشوها ليف قال‏:‏ يا جارية أطعمينا فجاءت بقصعة فيها قدر من خبز يابس فصب عليها زيتًا ما فيه ملح ولا خل فقال‏:‏ أما أنها لو كانت راضية لأطعمتنا أطيب من هذا فقال لي‏:‏ ادن فدنوت قال‏:‏ فذهبتَ أتناول منها قدره فلا والله لا استطيع أن أجيزها فجعلت ألوكها مرة من ذا الجانب ومرة من ذا الجانب فلم أقدر على أن أسيغها وأكل هو أحسن الناس أكلًا لم يتعلق له طعام بثوب أو شعر حتى رأيته يلطع جوانب القصعة ثم قال‏:‏ يا جارية اسقنا فجاءت بسويق سلت فقال‏:‏ اعطه فناولتنيه فجعلت إذا أنا حركته ثار له غبار فلما رآني قد بشعت ضحك فقال‏:‏ ما لك أرنيه إن شئتَ فناولته فشرب حتى وضع على جبهته هكذا ثم قال‏:‏ الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا فأروانا وجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ قد أكل أمير المؤمنين فشبع وروي حاجتي جعلني اللّه فداك قال‏:‏ لله أبوك فمن أنت‏.‏

قلت‏:‏ رسول سلمة بن قيس قال‏:‏ فباللهّ لكأنما خرجت من بطنه تخفّفًا عليَ وحبًا ثم قال‏:‏ لتخبرني عن من جئت من هذه وجعل يقول وهو يزحف إليّ‏:‏ للّه أبوك كيف تركت سلمة بن قيس كيف المسلمون ما صنعتم كيف حالكم قلتَ‏:‏ ما تحب يا اُمير المؤمنين وقصصت عليه الخبر على أنهم ناصبونا القتال فاصيب رجل من المسلمين فاسترجع وبلغ منه ما شاء اللّه وترحم عليه أعني على الرجل طويلًا قلتَ‏:‏ ثم إن اللهّ فتح علينا يا أمير المؤمنين فتحًا عظيمًا فملأ المسلمون أيديهم من متاع ورقيق ورفه ما شاءوا قال‏:‏ ويحك كيف اللحم بها فإنها شجرة العرب لا تصلح العرب إلا بشجرتها قلت‏:‏ الشاة بدرهمين فقال‏:‏ اللّه أكبر ثم قال‏:‏ ويحك هل أصيب من المسلمين غير ذلك الرجل قلت‏:‏ لا قال‏:‏ ما يسرني إنما يسركم أضعف لكم وإنه أصيب من المسلمين رجل آخر‏.‏

قال‏:‏ وجئت إلى ذكر السفطين فأخبرته خبرهما فباللهّ الذي لا إله إلا هو لكأنما أرسلتَ عليه الأفاعي والأساود والأراقم ثم أقبل عليَّ بوجهه آخذًا بحقويه وقال‏:‏ للّه أبوك وعلى ما يكونان لعمر واللّه ليستقبلن المسلمون الظمأ والجوع في نحور العدو وعمر يغدو بين أهله ويروح إليهم يتبع إماء المدينة ارجع بما جئت به فلا حاجة لي فيه فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه أبدع بي وبصاحبي فاحملنا فقال‏:‏ لا ولا كرامة للآخر ما جئت بما أسبر به فأحملك قلت‏:‏ يا لعباد اللهّ أيترك رجل بين أرضين قال‏:‏ أما لولا أن قلتها قلت يا برقي انطلق به فاحمله وصاحبه على ناقتين ظهيرتين من إبل الصدقة ثم انخس بهما حتى تخرجهما من الحرة ثم التفت إلي فقال‏:‏ أما لئن شتا المسلمون في مشتاهم قبل أن يقتسما بينهم لأعذرن منك ومن صويحبك ثم قال‏:‏ إذا انتهيت إلى البلاد فانظر أحوج من ترى من المسلمين فادفع إليه الناقتين‏.‏

ثم خرجنا من عند عمر وسرنا حتى آتينا سلمة بن قيس فأخبرناه الخبر فقال‏:‏ ادع لي المسلمين فلما جاءوا قال لهم‏:‏ إن أمير المؤمنين قد وفر عليكم سفطيكم ورآكم أحق بهما منه فاقتسموا على بركة اللّه فقالوا‏:‏ أصلحك الله أيها الأمير إنه ينبغي لهما نظر وتقوبم وقسمة‏.‏

فقال‏:‏ والله لا تبرحون وأنتم تطالبوني منها بحجر واحد‏.‏

فعد القوم وعد الحجارة فربما طرحوا إلى الرجل الحجرين وفلقوا الحجر بين اثنين‏.‏

أنبأنا محمد بن الحسين وإسماعيل بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا ابن النقور أخبرنا المخلص أخبرنا أحمد بن عبد اللهّ حدَّثنا السري بن يحيى حدَّثنا شعيب حدَّثنا سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال‏:‏ لما قدم بغنائم نهاوند على عمر بكى فقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ ليس هذا مكان حزن ولا بكاء ولكن بشرى فافرح واحمد الله فقال‏:‏ ويحك يا ابن عوف والله ما كثرت الصفراء والبيضاء في قوم قط إلا فتنوا فتقاتلوا وتدابروا حتى يدمر اللّه عليهم‏.‏

قال‏:‏ وجعل أبو لؤلؤة لا يلقى من السبي صغيراَ إلا مسح رأسه وبكى وقال‏:‏ أكل عمر كبدي ولا يلقى أيضًا برًا إلا بكى إليه وأسعده وكان نهاونديَاَ فأسرته الروم أيام فارس‏.‏

وافتتحت نهاوند في أول سنة تسع عشرة‏.‏

وقد ذكر أبو معشر أن فتح جلولاء وقيسارية كان في سنة تسع عشرة‏.‏

قال‏:‏ وكان الأمير على فتح قيسارية معاوية بن أبي سفيان‏.‏

وذكر ابن إسحاق أن فتح الحيرة والرها وحران ورأس العين ونصيبين كان في سنة تسع عشرة‏.‏

وفي هذه السنة

 بنى عمر رضي اللّه عنه مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

وزاد في مقدمه إلى موضع المقصورة وزاد في ناحية دار مروان وعمل بالجريد سقفه وجعل عمده الخشب وقال‏:‏ هذا باب للنساء‏.‏

وفي هذه السنة

 فتح الجزيرة

أمر سعد بن أبي وقاص فبعث عياض بن غنم إلى الجزيرة فنزل بجنده على الرها فصالحه أهلها على الجزية وصالحت حران حين صالحت الرها ثم بعث أبا موسى الأشعري إلى نصيبين وسار سعد يتبعه إلى دارا فافتتحها‏.‏

وفتح أبا موسى نصيبين‏.‏

ثم وجه عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية فكان هناك قتال أصيب فيه صفوان بن المعطل واستشهد ثم صالحه أهلها على كل أهل بيت دينار‏.‏

وفيها سالت حرة ليلى نارًا‏.‏

فيما ذكر الواقدي فأراد عمر الخروج إليها بالرجال ثم أمرهم بالصدقة فجاء عثمان وعبد الرحمن وغيرهما بأموال فقام عمر يقسمها فانطفأت‏.‏

وقال ابن حبيب‏:‏ هذه النار خرجت بخيبر‏.‏

 وفيها حج عمر رضي اللّه عنه بالناس

وكان عماله على الأمصار وقضاته الذين كانوا في سنة ثمان عشرة‏.‏